الترجي والهلال يهربان من لعنة العرب في كأس العالم للأندية
تظل بطولة كأس العالم للأندية 2025 مسرحًا تتطلع إليه الجماهير العربية بشغف كبير، أملًا في رؤية أنديتها تنافس كبار القارة والعالم وتقدم مستويات تليق بسمعة الكرة العربية. ومع مشاركة الأندية العربية، وعلى رأسها الترجي التونسي والأهلي المصري والهلال السعودي والوداد المغربي والعين الإماراتي، تتضاعف التطلعات، فكل نادٍ يدخل البطولة ممثلًا لطموح جماهيري واسع، يترقب بشغف لحظة المجد في مواجهة عمالقة أوروبا وأمريكا الجنوبية.
ومع كل نسخة، تتجدد الآمال في تحقيق إنجاز تاريخي أو على الأقل تقديم أداء مشرف يترك بصمة إيجابية، ولكن، غالبًا ما تواجه الأندية العربية تحديات جمة في هذه البطولة، تتراوح بين فارق الخبرات والإعداد البدني والفني، إلى جانب ضغط التوقعات الجماهيرية والإعلامية التي تلقي بظلالها على اللاعبين والأجهزة الفنية، تلك العوامل غالبًا ما تدفع الأندية إلى اتخاذ قرارات مصيرية قبل خوض غمار المونديال، ويبقى تغيير المدربين على رأس هذه القرارات.
لطالما كان تغيير المدربين سيفًا ذا حدين في عالم كرة القدم، فبقدر ما يمكن أن يمنح دفعة معنوية وتكتيكية جديدة للفريق، بقدر ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتشتيت تركيز اللاعبين. وفي سياق كأس العالم للأندية، حيث لا مجال للأخطاء والمواجهات حاسمة ولا تقبل القسمة على اثنين، يصبح هذا القرار أكثر حساسية وتعقيدًا.
في النسخة الحالية من كأس العالم للأندية، تكرر سيناريو تغيير المدربين بشكل لافت للنظر في صفوف الأندية العربية المشاركة، فبينما كانت هذه الأندية تسعى جاهدة لتقديم أفضل ما لديها لكسر حاجز الخروج المبكر، لجأت إلى حل لمحاولة لضخ دماء جديدة وتصحيح المسار قبل المعترك العالمي.
ولكن، لم تكن النتائج موحدة بين الأندية العربية التي اتخذت هذا القرار، ففي حين بدا أن بعض الأندية قد وقعت فريسة لـ “لعنة” تغيير المدربين قبل البطولة، ظهرت حالتان استثنائيتان كسرتا هذه القاعدة وأثبتتا أن التغيير قد يؤتي ثماره إذا ما تم بحنكة وتخطيط جيدين وهما الترجي والهلال.
الترجي التونسي والهلال السعودي، هما الناديان اللذان نجحا في التميز والخروج من دائرة الأندية التي تأثرت سلبًا بهذا القرار، مقدمين مستويات لافتة تعكس قدرة الجهاز الفني الجديد على التأقلم السريع وتحقيق الانسجام المطلوب في وقت قياسي.
لعنة التغيير المتأخر.. الأهلي والوداد والعين في مهب الريح
دخل الأهلي المصري البطولة وسط زخم من التغييرات والشكوك. فبعد خروجه القاسي من نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا، قرر مجلس الإدارة إقالة المدرب السويسري مارسيل كولر، الذي كان قد توج بدوري الأبطال مرتين، وعين مؤقتًا عماد النحاس لإدارة المرحلة المحلية.
لكن قبل انطلاق المونديال بأيام قليلة، تعاقد الأهلي مع المدرب الإسباني خوسيه ريفيرو، في إطار مشروع فني جديد يهدف إلى إعادة بناء الفريق بشكل يناسب طموحات النادي على المدى البعيد.
ورغم وضوح الفلسفة المستقبلية، كان ضيق الوقت عاملًا سلبيًا، فلم يتمكن الجهاز الفني من إحداث التأثير المطلوب في وقت قصير. صحيح أن الفريق ظهر بصورة جيدة نسبيًا في الشوط الأول أمام إنتر ميامي، لكنه عانى من تراجع كبير في الشوط الثاني، ثم تلقى خسارة قاسية أمام بالميراس بثلاثية، ما عكس حجم التحديات التي يواجهها الأهلي في هذه المرحلة الانتقالية.
الأمر لم يكن مختلفًا في المغرب، فالوداد البيضاوي أقال الجنوب أفريقي رولاني موكوينا بعد سوء النتائج المحلية، واستعان بالمدرب محمد أمين بنهاشم، لكن الوقت الضيق وقلة الخبرة في مثل هذه البطولات ظهرا جليًا. الوداد ودع البطولة مبكرًا، بخسارتين ثقيلتين أمام مانشستر سيتي (0-2) ويوفنتوس (1-4)، ما وضعه في ذيل الترتيب، وكشف هشاشة الفريق فنيًا وتكتيكيًا.
أما العين الإماراتي، فكان في وضع أكثر تعقيدًا، فخلال أقل من شهرين، غيّر النادي مدربين اثنين: هيرنان كريسبو ثم ليوناردو جارديم، قبل أن يستقر على الصربي فلاديمير إفيتش في فبراير/ شباط 2025، لكن الاستقرار الفني لم يأتِ، بل ازدادت الفوضى. والخسارة المهينة أمام يوفنتوس (0-5) أعادت التساؤلات حول جاهزية الفريق على المستوى الذهني والفني، قبل مواجهة تبدو شبه مستحيلة أمام مانشستر سيتي.
في هذه الحالات الثلاثة، تتكرر ذات القصة: قرار فني متأخر، مدرب جديد لا يملك الوقت للتأقلم، لاعبين يعانون من غياب الانسجام، وضغط جماهيري يضاعف التوتر. المحصلة دائمًا واحدة: إخفاق في الظهور بصورة تليق بتاريخ النادي.
الهلال.. واقعية إنزاغي تعيد الهيبة
رغم أن الهلال بدوره قرر إقالة مدربه جورجي جيسوس عقب تراجع النتائج، جاء تعيين المدرب الإيطالي سيموني إنزاغي بقرار مدروس لا يحمل طابع الارتباك. الهلال لم يبحث فقط عن اسم كبير، بل عن مدرب يملك شخصية هادئة وقدرة على إدارة المباريات الكبيرة.
في مواجهة ريال مدريد، فرض الهلال أسلوبه، بل كان الأقرب للفوز في لحظات عديدة، وتعامل بذكاء مع مفاتيح اللعب لدى الفريق الملكي؛ النتيجة النهائية (1-1) لم تكن سوى تأكيد على أن الهلال قادر على مقارعة الكبار، وأن التغيير الفني أتى ثماره في الوقت المناسب. إنزاغي أعاد الانضباط التكتيكي، منح اللاعبين أدوارًا واضحة، وخلق أجواءً من الثقة أعادت للفريق شخصيته.
الترجي.. الظهور المميز مستمر
الترجي التونسي عاش موسمًا متقلبًا محليًا وقاريًا، وكان كثيرون يعتقدون أن مشاركته في مونديال الأندية ستكون شكلية لا أكثر، خاصة بعد إقالة المدرب الروماني ريجيكامب، لكن التغيير الفني لم يكن ارتجاليًا، بل جاء في توقيت حاسم، حين أسندت إدارة الترجي المهمة للمدرب الوطني ماهر الكنزاري، الذي لم يكتفِ فقط باستعادة توازن الفريق، بل قاده لتحقيق ثنائية محلية بالتتويج بلقب الدوري التونسي ولقب كأس تونس.
ورغم السقوط أمام فلامينغو في أول مباراة بهدفين نظيفين، أظهر الترجي شخصية قوية ورد سريعاً في المباراة التالية أمام لوس أنجلوس، حيث خطف فوزًا مستحقًا 1-0، في لقاء اتسم بالانضباط التكتيكي والتركيز العالي؛ ولم يكن الفوز مجرد ثلاث نقاط، بل تأكيد بأن الترجي بات فريقًا مختلفًا تحت قيادة الكنزاري: أكثر هدوءًا، أكثر التزامًا، وأكثر نضجًا.
الانتصار أمام لوس أنجلوس لم يكن فقط نتيجة ثلاث نقاط، بل شهادة على أن الترجي قادر على التطور خلال البطولة، وأنه يمتلك أدوات التماسك حين تتوفر له قيادة متزنة حتى في ظروف ضاغطة.